فيفيان سمير تكتب: إدارة الغضب
تتناغم الهمسات الصامتة للهرمونات مع تقلبات المشاعر والانفعالات، ومن بين تلك الهرمونات الهامة يبرز هرمون الكورتيزول بقوته وتأثيره العميق على الانفعالات والمشاعر، خاصة مشاعر الغضب.
يُعَدّ هرمون الكورتيزول بمثابة الراعي الأمين لاستجابات الجسم للضغوط النفسية والعصبية، وعندما يتأجج غضبنا، يلعب الكورتيزول دورًا حاسمًا في تنظيم ردود الفعل البيولوجية لتلك المشاعر القوية. يرتبط ارتفاع مستويات الكورتيزول بزيادة القلق والتوتر والغضب، مما يؤثر على توازن العواطف ويعزز التفاعلات العاطفية السلبية، مما يزيد من اندفاع الدم إلى العضلات ويزيد من معدل ضربات القلب وبذلك تزيد شدة الغضب ويصعب السيطرة عليه، هنا يتجلى تأثير الكورتيزول في تعزيز ردود الفعل العاطفية القوية وزيادة الاحتقان والتوتر.
مشاعر الغضب هي إحدى المشاعر الأساسية التي يمكن للإنسان أن يشعر بها في مواقف مختلفة، وتعتبر استجابة طبيعية للتهديد أو الإحساس بالظلم، وهي تعبير عن الاستياء والاحتقان الذي ينشأ نتيجة تصور الشخص أن هناك انتهاكًا لحقوقه أو عنف تجاهه.
يمكن أن تتجلى مشاعر الغضب في أشكال متنوعة، بدءًا من الاستياء البسيط وصولًا إلى الغضب الشديد والانفعال العنيف. تظهر عادةً عبر تغيرات في التنفس وضغط الدم، وتصاعد نبرة الصوت وحدته وعدائية اللغة الجسدية، وقد تتسبب في تصرفات عدوانية وغير منضبطة.
أحد أهم الخطوات نحو إدارة الغضب بشكل صحيح أن يكتشف الشخص مشاعر الغضب ويتعرف عليها من خلال ملاحظة التغيرات في حالته العاطفية فقد يصبح الشخص أكثر توترًا وقلقًا، وقد تزداد عنده الأفكار السلبية والمتشائمة، وسلوكه الذي قد يتسم بالعدوانية وزيادة التوتر أو العصبية حد الصراخ، واللوم، والانفعالات العنيفة، أو حتى العنف الجسدي، كذلك الانزعاج الزائد وتفاقم الاستفزاز، وتغيرات نبرة صوته الذي قد يرتفع ويصبح أكثر حدة وعدوانية، وقد تتغير طريقة التحدث وتصبح أكثر عدائية، أيضا تغيرات اللغة الجسدية التي قد تشمل توتر العضلات، الرجفة، القلق، وحركات عصبية مثل الضرب على الطاولة أو الاهتزازات العصبية للساق، قد تلاحظ أيضا تغيرات في التنفس كزيادة سرعة التنفس أو صعوبته، بالإضافة إلى أنه من خلال تحليل الأفكار والمعتقدات التي تثير هذه المشاعر، والاستماع للدوافع التي تنشأ في عقله خلال تلك اللحظات، يمكن أن يساعده على فهم جذور الغضب وكيفية التعامل معه. بمجرد أن يتمكن الشخص من تحديد مشاعر الغضب واكتشافها وتحليلها بشكل صحيح، يمكنه تهدئة نفسه وإدارة هذه المشاعر بشكل أفضل عن طريق تبني استراتيجيات لإدارتها بفاعلية، من خلال تقنيات التنفس العميق، والتأمل، والتركيز في محاولة التحدث مع الآخرين بشكل هادئ.
إذا استطاع الإنسان أن يكتشف ويحدد مشاعر الغضب بدقة، يمكنه أن يحقق توازنًا نفسيًا أكثر ويتمتع بقدرة أكبر على التعامل مع التحديات والصعوبات بشكل أكثر فعالية وصحة، مع مراعاة أنه عندما نكبت مشاعرنا ونمنع أنفسنا من التعبير عنها، نفقد القدرة على التعبير عن احتياجاتنا ورغباتنا بشكل صحيح، وقد تتراكم تلك المشاعر داخلنا وتؤدي إلى توتر نفسي وضغط عاطفي. فالكبت الدائم للمشاعر يؤثر سلبًا على صحتنا النفسية ويزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب أو القلق، كما يؤثر سلبًا على علاقاتنا الشخصية والاجتماعية، إذ يعتبر التعبير الصادق عن المشاعر وسيلة فعالة لبناء الثقة والتواصل الصحيح مع الآخرين، لذا من الضروري أن نتعلم كيف نفهم مشاعرنا ونعبر عنها ونقدمها بالشكل الصحيح، فذلك يساعدنا على بناء علاقات صحية، ويسهم في تحقيق التوازن النفسي والعاطفي في حياتنا، كما أنه من الضروري فهم تأثيرات هرمون الكورتيزول على مشاعر الغضب والانفعالات، والسعي للحفاظ على توازنه في الجسم من خلال ممارسة تقنيات الاسترخاء والتأمل، وممارسة الرياضة بانتظام، والاهتمام بنمط حياة صحي. كما يمكن التحكم في مستويات الكورتيزول من خلال الحفاظ على الراحة النفسية والتغذية السليمة.
إذا استطعنا فهم تأثيرات هرمون الكورتيزول على مشاعر الغضب والانفعالات، وعملنا على تحقيق التوازن في جسمنا وعقلنا، فإننا سنكون قادرين على التحكم في ردود الفعل العاطفية وتعزيز الهدوء والسلام الداخلي. إن تحقيق التوازن مع هذا الهرمون المؤثر والفعال يساهم في تعزيز الصحة النفسية والعاطفية، ويمنحنا القدرة على التعبير عن مشاعرنا بطريقة بناءة متحضرة.